أسلحة فتاكة.. لمجاهدة الشيطان
عادل عبدالله هندي
تعلم جيدا - أخي القارئ - أنه منذ أن خلق الله آدم - آبا البشر - أمر ملائكته بالسجود له، قائلا: {...اسْجُدُواْ لآدَمَ...} (البقرة: من الآية 34)، ولأنها مخلوقات نورانية لا تعصي الله ما أمرها، فقد أطاعت مولاها وسجدوا جميعا لآدم بعد أن نفخ الله فيه من روحه، وتشرف آدم بسجودهم له سجود تشريف لا تكليف أو تعبد، مما يدل على علو مكانته عند الله ورفعة قدره عند مولاه، وصدق الله حين قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء: 70).
لكن هذا السجود وهذه المكانة أحزنت عدو الله إبليس، الذي ملأ الحسد والغل والكبر قلبه ونفسه، فأبى أن يسجد لآدم بأمر الذي خلقه، فلم يسجد، قال تعالى: {...ِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (البقرة: من الآية 34)، أبى أن يسجد للغل الذي انتشر بين جوانحه.
بداية العداوة بين إبليس وبني الإنسان
ومنذ تلك اللحظة ومنذ ذلك الحين، توعد إبليس بالوسوسة والإغواء لأبناء وبنات آدم - عليه السلام - فقال متحديا الخالق جل في علاه: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (ص: 82)، والعجيب أنه توعد مقسما بعزة الله، وقال أيضا - كما حكى القرآن على لسانه -: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف: 17)، وقال القرآن عنه حاكيا توعده للرب العلي - سبحانه -: {...لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} (النساء: من الآيتين 118 و119).
وهكذا تبين لنا أيها الأخوة مدى الحقد الدفين في صدر إبليس مما يجعله في معركة شرسة مع بني الإنسان جميعا، وفي المقابل يستلزم ذلك أن يستعد بنو آدم لمحاربة هذا العدو ولذلك جاء أمر الله تعالى بإعلان العداوة للشيطان، فجاء الأمر في كذا موضع من كتاب الله تعالى، ومن ذلك على سيبل الاستدلال: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (يــس: 60)، ويقول تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (فاطر: 6)، ونعجب أن بعد كل هذه الأوامر الإلهية بعداوة الشيطان، فإن هناك أفرادا من الأمة داخليا وخارجيا ما زالوا على موالاة للشيطان وحزبه فليحذروا وليتقوا الله في حياتهم حياة المؤمنين من حولهم.
صفات قرآنية ونبوية في خصائص الشيطان:
وحتى نري ونتعرف على طريقة مقاومة الشيطان فلنتعرف على العدو الذي نقاومه ونحاربه قبل كل شيء، فتعالى معي الآن لنتعرف عليه.
- الشيطان مخلوق عجيب: خلقه الله من نار يأكل ويشرب ويتناكح ويتناسل، له القدرة على التشكل بأشكال مختلفة والغالب فيها الشر والسوء، قال تعالى عن خلقه: {وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} (الحجر: 27)، وإبليس نفسه يقول لله –تعالي-: {...خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (الأعراف: من الآية 12)، وحتى لا نختلف كثيرا حول المسميات فإن (الشيطان وإبليس والجن) كلها مترادفات تعني معان واحدة قريبة من مضمونها وإن اختلف علماء التوحيد والعقيدة حول مفهوم كلا منها - مما ليس مجاله هنا الآن -، بيد أنه للعلم فقط فإن الشيطان اسم جنس عام لكل غاو مضل من الإنس أو الجن، وإبليس اسم يطلق على من أبى السجود لله.
- الشيطان يستطيع الوسوسة للإنسان والإغواء: لذلك أمرنا الله تعالى بالتعوذ من شر وسوسته فقال سبحانه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ} (الناس: الآيات من 1- 6)، وما قصة وسوسته لآدم عليه السلام عنا ببعيدة، {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا...} (الأعراف: من الآية 20)، {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى} (طـه: 120).
- من الشيطان قرين مع الإنسان: قال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (الزخرف: 36)، {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} (ق: 23)، {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} (ق: 27)، ومع اختلاف في أقوال المفسرين في تفسير القرين في الآية الأولى - أهو قرينه من الملائكة ممكن يسجلون أعمال العبد، أو القرين من الشيطان الذي وسوس له وسول له المعصية - ولكن من مضمون ما سبق من آيات فهناك قرين من الشيطان مع الإنسان ويؤكد ذلك حديث الإمام مسلم - رحمه الله - لما دخل رسولنا على أم المؤمنين الصادقة بنت الصديق عائشة - رضي الله عنها - بعد أن خرج من عندها ليلا، تقول عائشة: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: "مالك؟ يا عائشة أغرت؟"، فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أقد جاءك شيطانك"، قلت: يا رسول الله أو معي شيطان؟، قال: "نعم"، قلت: ومع كل إنسان؟، قال: "نعم"، قلت: ومعك يا رسول الله؟، قال: "نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم" (رواه مسلم/ 5164)، وهذا يعني أن هناك مع كل إنسان قرين من الجن.
- الشيطان مكلف بتكاليف شرعية تماما مثلنا بحسب طاقتهم وقدراتهم التي أعطاها الله لهم: قال تعالى في توضيح هذا التكليف: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56)، وقال تعالى وهو يقص علينا قصة الجن الذين استمعوا القرآن:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} (الأحقاف: 29)، فتبليغهم قومهم الرسالة والقرآن يدل على تكليفهم من الله. وفي سورة سماها الله باسم عالم الجن، افتتحها الله بقوله: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} (الجن: 1). وذلك دليل تكليف آخر.
- أنه يرانا من حيث لا نراه: قال تعالى: {... إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: من الآية 27).
- كيده ضعيف: قال عز وجل: {...إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (النساء: من الآية 76) سورة، وفي ذلك رسالة لكل من يخاف من الشيطان وصار البعض ينسب أشياء كثيرة إلى الشيطان، تجد إنسانا مثلا متعب يقولون لك (معمول له عمل) فيرعب الناس من الشيطان ونسوا أنه مخلوق كبقية المخلوقات وجعل الله كيده ضعيفا لئلا يخاف منه الإنسان فلنصحح مفهومنا حول شأن الشيطان.
- الشيطان يوقع العداوة بين الناس ويعد بالفقر والفحشاء: يقول تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (المائدة: 91)، ويقول سبحانه: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 268).
- ذكر الشيطان وإبليس في القرآن: ورد ذكر الشيطان في القرآن 68 مرة في أكثر من 55 موضعا تقريبا في كتاب الله، وورد ذكر إبليس في القرآن 11 مرة، وتدور هذه المرات مجتمعة حول المعاني التالية (الاستزلال "الذلة" – العداء - الموعدة بالفقر - يخوف أولياءه - قرين فاسد – الإضلال – الضعف - الخسارة والهلاك - الغرور والكبر - يوقع العداوة بين الناس – التزيين – الوسوسة - الفتنة بالدنيا – الإغواء - نسيان العبد الخير - زرع العداوة بين الإخوة - التبرأ يوم القيامة ممن أضلهم - الكفر - يأمر بالفحشاء والمنكر - الإضلال والإبعاد عن الذكر والصلاح - يدعو إلى عذاب السعير - الصد عن سبيل الله - التسويل والإملاء والإغراء - الاستحواذ).
وإذا كنا قد تعرفنا على هذا المخلوق فلنتعرف الآن على وسائل مقاومة عداوته لنا، في الحرب المستمرة بيننا وبينه إلى يوم الدين وهى على النحو التالي.
طرق مقاومة الشيطان:
1 - الاستعاذة: إنها السلاح الرباني لمواجهة نزغات الشيطان ووسوسته، وبها أمر الله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأعراف: 200)؛ ولذا فأنت أيها المسلم وأنت أيتها المسلمة: إذا تعرضت لنزغة شيطانية أو وسوسة إبليسية أو تعرضت لمعصية متزينة فاستعذ بالله أول الأمر.
والاستعاذة هى طلب الاحتماء واللجوء إلى الله، فقولك: أعوذ بالله (أحتمي بالله وقوته وألجأ إليه)، والاستعاذة ليست كلمة تقال باللسان بقدر ما هى حركة القلب بيقين نحو الله وطلب نصرته وحمايته.
ومن أهمية هذا السلاح الرباني لمواجهة إبليس فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصحنا بها في مواضع تحتاج إلى تفصيل كبير، ولكن نختصرها في الآتي:
* في الصلاة "إذا عرض لأحدنا عارض في صلاته فإنما هو خنزب يريد أن يصرف الإنسان عن صلاته والخشوع فيها فأمر النبي الإنسان ندبا أن ينفث عن يساره ثلاثا ثم يستعيذ بالله من شر هذا الشيطان".
* عند رؤية الحلم المزعج.
* عند دخول الخلاء.
* عند ثورة الغضب.
* عند دخول المسجد.
* عند التشكيك في الله.
قصة في أهمية الاستعاذة:
يحكى أن شيخا سأل تلميذا له ماذا لو مررت على غنم ومعه كلب مسعور ويمنعك من المرور فماذا تصنع؟
قال: أجاهده حتى أمر ويقف عن النبح!
قال الشيخ: فماذا لو نبحك مرة أخرى؟
قال التلميذ: أجاهده!
قال الشيخ: إذا الأمر يطول!! ولكن استعن برب الغنم يزيل عنك كلبه!
ومن هنا فإنا نقول: "استعن برب الشيطان يزيل عنك الشيطان وشركه"، وهكذا فأول سلاح لك إذا غضبت.. إذا صليت.. إذا وسوس لك إبليس.. فاستعذ بالله من شر الشيطان قائلا: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه".
- التوبة من الذنوب: إن الذنوب تضعف مقاومة الشيطان، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ...} (آل عمران: من الآية 155)؛ فالذنب سبب من أسباب استزلال الشيطان للإنسان ومن ثم يضعف الإنسان في المقاومة، وعليك أخي المسلم إذا أردت أن تنتصر على الشيطان فتب إلى الله ولا تصر على ذنب يكون سببا في هلاكك.
- ذكر الرحمن سلاح لمقاومة الشيطان: والدليل على ذلك ما نقله القرآن قائلا: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (الزخرف: 36)؛ فالشيطان يسيطر على الإنسان إن ترك ذكر الله. والذكر منه أذكارا للصباح وأذكارا للمساء، ومنه أذكار للأحوال وهذه في غاية الأهمية، تذكر الله عند النوم، وتذكره عند الاستيقاظ، كم واحد منا يذكر الله قبل الأكل وبعده؛ حتى لا يأكل معه الشيطان، تذكر الله عند كل حال، والعجيب أنك مطالب بذكر الله حتى عند الجماع، مما يؤكد أهمية الذكر وأنه ذو أثر فعال في مقاومة الشيطان.
- البسملة: قد يستقل بها البعض وبأهميتها ولذا فقد ورد في الحديث الذي رواه الترمذي "ما من عبد يقول صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء". وعند الخروج من البيت ووقاية من الشيطان، فقد ورد عند الترمذي أيضا عن أنس - رضى الله عنه – "من قال حين يخرج من بيته: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت ووقيت وتنحى عنك الشيطان".
- قراءة آية الكرسي عند النوم؛ لا يقربك الشيطان حتى تصبح: وآية الكرسي بالذات من آيات القرآن التي علمها النبي لأصحابه للتعوذ من الشيطان الرجيم، وهذا أبو هريرة - الصحابي العظيم والعالم الجليل - يقص علينا قصته مع الشيطان وقد جاء يعلمه هذه الآية:
يروي البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: وكلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته، وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: إني محتاج، وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟"، قال: قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته، فخليت سبيله، قال: "أما إنه قد كذبك، وسيعود"، فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنه سيعود، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال، لا أعود، فرحمته، فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك؟"، قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة، وعيالا، فرحمته، فخليت سبيله، قال: "أما إنه قد كذبك وسيعود"، فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات، أنك تزعم لا تعود، ثم تعود قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هو؟، قال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما فعل أسيرك البارحة؟"، قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: "ما هي؟"، قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة "، قال: لا، قال: "ذاك شيطان".
وما سبق يبين لنا فضل وعظمة هذه الآية المباركة ومكانتها من الدين وأثرها في حرب الشيطان.
- سورة البقرة تذهب عمل البطلة والسحرة، وتذهب شر الشيطان:
روى مسلم في صحيحه، عن أبي أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة". قال معاوية: بلغني أن البطلة: السحرة.
- قولك: لا إله إلا الله 100 مرة حرز وحراسة من الشيطان:
روى البخاري في كتاب بدء الخلق، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"من قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك".
- المداومة على قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين: تكفيك من كل شيء، ومما يؤكد ذلك ما رواه أبو داوود في سننه عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن أبيه، أنه قال: خرجنا في ليلة مطر، وظلمة شديدة، نطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ليصلي لنا، فأدركناه، فقال: "أصليتم؟"، فلم أقل شيئا، فقال:" قل"، فلم أقل شيئا، ثم قال: "قل"، فلم أقل شيئا، ثم قال: "قل"، فقلت: يا رسول الله ما أقول؟، قال: "قل.. قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي، وحين تصبح، ثلاث مرات تكفيك من كل شيء".
- الإخلاص لله في العمل والقول: وذلك وعد إبليس {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (ص: الآيتين 82، 83)، وإنما هو ترجمة القلب والجوارح لصدق التعامل مع الله في القول والعمل. فاجتهد في تحقيق الإخلاص في ذاتك وفي كل حركاتك، يخلصك الله له، فإن وصلت إلى هذه الدرجة استقويت على الشيطان فما استطاع على مقاومتك. وكما يقولون: الإخلاص سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه ملك مقرب فيكتبه ولا شيطان رجيم فيفسده - رزقني الله وإياك الإخلاص -.
- لزوم الجماعة والصحبة الصالحة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد"؛ فلا تنفرد بنفسك كثيرا، ولا تخوض معركة الحياة بمفردك وإلا انفرد بك الشيطان فتضيع - عافاني الله وإياك - فابحث عن الصحبة الصالحة والتي تأخذ بيدك إلى الله، وتدلك على الخير حيث كان، وتردك عن الشر، فإن أكثر ما يؤذي الشيطان ويذهب شرره أن تواجهه مع غيرك فنقاتله جميعا، فلا نختلف أو نفترق {...وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 46).
فهذه أسلحة عشرة يمكنك أن تتقوى بها ضد الشيطان، فاستعن بالله وخذ بها وتوكل على الله، والله ينصرنا على شر الشيطان وشركه.[/size]